+ الانبا صموئيل أسقف الخدمات العامة +
* ولد هذا الاب البار فى يوم 8 ديسمبر سنة 1920 بالقاهرة باسم سعد عزيز .. وطبيعى ان نقول أن ابويه كانا بارين تقيين ممتلئين من النعمة الالهية فقد كان بيتهما مفتوحا على الدوام فأستضافا فيه الفقراء والمعوزين .. ومن تلك النشاة تعلم سعد حياة البذل والعطاء إلى اقصى الحدود . وبعد أن أتم دراسته الابتدائية والثانوية التحق بكلية الحقوق وبعد انتهائه من دراستها عمل لفترة قصيرة فى البنك الأهلى المصري ولكن روحه المتطلعة دوما إلى فوق جعلته يستقيل من العمل بعد ستة اشهر فقط ليتفرغ للخدمة ، ورغم رفض الكثيرين من احبائه واصدقائه لهذه الخطوة لأنه كان اكبر اخوته إلا انه اصر على موقفه واراد التكريس بالكامل للرب وعندما سألوه وكيف يأكل الذين انت مسئول عنهم قال لهم بايمان عميق وثقة : ربنا اللى هشتغل عنده هو يأكلنا .. لأن التكريس هو موت عن العالم هو التخصص بالكامل للرب ..
+ وبدأ خدمة التكريس للرب فى القرى المحتاجة الصغيرة التى لا يخدمها احد ، ولما كانت المحبة قوة بناءة فقد احبه جميع الخدام الذين تعاملوا معه .. وفى خلال ثلاث سنوات فقط بلغ عدد القرى التى زارها سعد والخدام الذين معه نحو مائة قرية !
ثم رأى ان يتجه إلى الوجه القبلى وهناك لم يهدأ له بال حتى حتى توصل إلى اثارة الوعى لإحتياج القرى فساندته النعمة الإلهية ومكنته من النجاح فى خدمته حتى أسس ما يسمى بخدمة ( الدياكونية الريفية ) والتى تعممت فى جميع ايبارشيات الكرازة المرقسية فيما بعد .
* ثم اختاره المسئولون فى الكنيسة للذهاب إلى اثيوبيا والتدريس بكلية اللاهوت فى اديس ابابا فعمل هناك ايضا بالتفانى والمحبة الباذلة مما جعله يتعلم اللغة المهرية ليتخاطب مع طلبته بلغتهم .. وهناك انشأ مدارس الأحد لكى يصل بالأطفال إلى معرفة مبكرة بالكنيسة وتعاليمها ..
+ وبعد عودته من اثيوبيا رن فى اعماقه النداء الإلهى رنينا قويا فاتجه إلى القمص مينا البراموسي المتوحد ( البابا كيرلس السادس ) ليستشيره فى موضوع الرهبنة .. ولما كان هذا القديس معروف بأنه رجل الصلاة فقد قضى الساعات الطوال يطلب من الرب أن يرشده فيما يفعل بهذا الشاب وبعد فترة من الاختبار رسمه القمص مينا راهبا باسم الراهب مكارى وكان ذلك فى سنة 1948م ومكث الراهب مكارى مع ابيه الروحى لمدة ثلاث سنوات ثم ارسله إلى دير السيدة العذراء المشهور بالسريان وهناك دأب الراهب مكارى على القراءة الروحية وتدوين اقوال الاباء بخط يده ..
ثم رأى مسئولى الكنيسة توسيع خدمته فاختاروه لرعاية القسم الداخلى بالاكليركية وطالبوه بتدريس اللاهوت الطقسي والراعوى ومن خلال دراسته وتعليمه كتب ذات مرة : لقد وجدت ان الارثوذكسية ليست عقيدة وبالتالى فهى لا تُفهم بالجدال المنطقى والاثبات والبرهنة ، بل هى روح مستقيمة ناجحة موصلة إلى الملكوت السماوى يجب أن تُغذى مع اللبن فى البيوت والمدارس والحياة الاجتماعية .. وترقى بعدها إلى رتبة القس ثم القمص ..
+ وفى عام 1953 انتدبه قداسة البابا يوساب الثانى لحضور مؤتمر مجلس الكنائس العالمى بأمريكا وكانت هذه هى المرة الاولى التى تشارك فيها كنيستنا القبطية الارثوذكسية فى هذا المؤتمر .. ولقد نجح هو ورفقائه فى اظهار تعاليم الكنيسة الامصرية امام الكنائس الاخرى بمنتهى الامانة والدقة .. وهناك ابدى السفير المصري اعجابه به لدرجة انه توسط للمسئولين فى احدى الجامعات الامريكية كى يمنحوا القمص مكارى منحة دراسية ليتمكن من إلقاء محاضرات عن مصر وكنيسة مصر وخلال تلك الفترة استطاع ابونا مكارى الحصول على الماجستير بدرجة إمتياز فى رسالته التى قدمها بعنوان : التربية المسيحية فى الكنيسة القبطية فى عصورها الاولى ..
* وفى عام 1959 جلس البابا كيرلس السادس على كرسي مارمرقس البشير وقد اراد قداسته ان يجع من خدمة القمص مكارى خدمة مضاعفة وقوية فقام فى سنة 1962 برسامته أسقفا باسم الانبا صموئيل أسقف العلاقات العامة والخدمات الاجتماعية ، وفى نفس اليوم قام قداسته برسامة الانبا شنودة اسقف التعليم ( قداسة البابا شنودة أطال الرب حياته ) . ولقد كانت هذه لرسامة مصدر فرح للأقباط بأعتبار انها اول رسامة لأساقفة عموميين فى العصر الحديث .
* وبهذه الكرامة الجديدة التى نالها هذا الاسقف الخدوم الدائب والمتفانى فى خدمته بدأ طريق الجهاد يتسع امامه وبدأت مسئولياته تتزايد ، فبدا بترتيب اولويات اسقفيته الناشئة ورتب خدمتها فى الداخل والخارج بزيارات كثيرة وخدمات اكثر وبذل كبير حتى اصبحت اسقفية الخدمات العامة من اكثر الاسقفيات عملا وجهادا ، فبعد حرب 1967 وبداية حرب الاستنزاف ارسل نيافته الخطابات العديدة طلبا للملابس والبطاطين والاغذية ولما وصلته كان يرسلها إلى محافظى المحافظات التى تم تهجير النازحين إليها ، وخلال السنوات العديدة وبالجهود المتصاعدة التى بذلها الأنبا صموئيل استمرت الكنيسة تعمل على تزويد المستشفيات المصرية بكل ادوات الجراحة وبالدم اللازم لأجراء الجراحات المختلفة ..
+ وعندما انتقل قداسة البابا كيرلس إلى الامجاد السمائية كان الانبا صموئيل من ضمن المرشحين للجلوس على الكرسي المرقسي وفى الانتخابات التى تجرى لاختيار البطريرك نال الانبا صموئيل أكبر عدد من الأصوات ، ولكن القرعة الهيكلية اختارت الانبا شنودة اسقف التعليم ليكون هو البابا شنودة الثالث .. وع ذلك فلم يتراجع الانبا صموئيل عن الاشراف بنفسه على تنظيم حفل التجليس للبابا فلما ابدى احدهم الاعجاب بما فعله الاسقف الجليل اجابه قائلا : أنا أعتبر نفسي جنديا للكنيسة وكجندى أخدم كنيستى بقدر استطاعتى والأنبا شنودة أخى فى الخدمة وفى دير السريان بل لقد منحنا الرب كرامة الأسقفية فى ساعة واحدة ..
* وبعد حرب 1973 وعندما قرر الرئيس السادات ان يزور امريكا للتفاوض بشأن مبادرة السلام حدث ان قام بعصض الاقباط المقيمين بأمريكا بمسيرات عدائية كما كتبوا مقالات عدائية ، فرأى قداسة البابا ان يوفد إليهم الانبا صموئيل والانبا يؤانس اسقف الغربية ليوصوا الاقباط هناك بالكف عن تلك المسيرات وليفهوهم ان السلام الذى ينشده رئيس الجمهورية سيتمتع به جميع ابناء مصر ، ولقد بذل الأسقفان الجليلان جهودا جبارة فى هذا الشأن وقد نجحا فى مهمتهما رغم بعض الأحداث الفردية البسيطة من بعض الأفراد الذين عصوا وصية البابا ومندوباه
* وفى سبتمبر 1981 حدثت هزة عنيفة للشعب المصري كله فقد ألقى الرئيس السادات بخطاب فى افتتاح الدورة البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى بدأه بالتهديد والوعيد للجماعات المتطرفة ..
ثم جاء دور الأقباط فأعلن ابعاد البابا شنودة إلى دير الأنبا بيشوى وتعيين لجنة من خمسة من الأساقفة من بينهم الأنبا صموئيل تتولى إدارة شئون الكنيسة فى غياب البابا ..
وللأسف تدافع الكثير من الأقباط بدافع الغضب ليكيلوا الاتهامات للأساقفة الخمسة رغم انهم قبلوا هذا الأمر تنفيذا للأئتمان الالهى وحرصا على كرامة الكنيسة ..
بل وللأسف ايضا أشاع البعض ان الأساقفة الخمسة مبسوطون من هذا القرار ، ولو كان أحدا قد كلف نفسه بزيارة لأحد هؤلاء الأساقفة لرأى بنفسه الحزن والوجوم مرتسم على وجوههم ..
* وفى اليوم التالى لهذه الاحداث ذهب رجال الصحافة إلى الانبا صموئيل ليدلى بحديث فقال لهم بصراحة تامة :
ان قداسة البابا شنودة هو بابانا الوحيد سواء كان فى مقره بالكاتدارئية او فى اى مكان ، انه البابا والبطريرك للكرازة المرقسية مدى حياته وقوانين كنيستنا العريقة صريحة فى هذا الشأن ونحن حريصون على العمل بهذه القوانين ..
* ثم جاء يوم السادس من اكتوبر لسنة 1981 وكان يقام احتفالا سنويا بذكرى النصر فقام الرئيس السادات بدعوة الانبا صموئيل لحضور الاحتفال
وعندما وصل الأسقف الجليل إلى مقر الاحتفال على المنصة اختار الصف الأخير ولكن الرئيس ما كاد يلمحه حتى اشار إليه واجلسه خلفه مباشرة ..
فحدث ما يذكرنا بمثل رب المجد عن ما يختارون المتكأت الاخيرة وكيف تكون لهم الكرامة عندما يدعوهم صاحب الوليمة ليجلسوا فى المتكأ الاول ..
* ولم يكن هناك اى شخص يتوقع ما حدث اثناء الاستعراض فقد بدأ الاستعراض بابهته المعتادة وفجأة قفز ضابط من الضباط وقفز غيره وصوبوا مدافعهم نحو الرئيس والمحيطين به
فانبطح رجال الجيش بحركة آلية تبعا لما تدربوا عليه اما الانبا صموئيل فظل واقفا ،
وما كان فى امكانه بوصفه اسقفا وسليلا للشهداء إلا ان يظل منتصبا فصوب مغتالوا الرئيس مدافعهم إليه
فسقط مضرجا فى دمائه الطاهرة ونُقل مع غيره إلى المستشفى ..
ولكنه استودع روحه الطاهرة فى يد الرب فى غروب نفس اليوم . وهكذا انتهت حياته الغالية بالاستشهاد لكى يتضاعف أجره عند ذلك الذى لا ينسى كأس ماء بارد أعطى باسمه .
* ولقد قال عنه قداسة البابا فى خطاب ارسله من الدير للشعب وللأساقفة فى ثانى يوم لاستشهاده :
من يستطيع أن يملأ الفراغ الذى تركه الأنبا صموئيل ؟ بل من يملأ الفراغات التى تركها ليس من جهة العمل فقط أنما من جهة العقل والقلب ..
لقد كان معى فى كل رحلاتى إلى الخارج وكنت أعجب من خبرته الواسعة وصلته وبالناس والهيئات التى لا تدخل تحت حصر والتى يستفيد منها كلها لخير كنيسته ،
كان كتله من نشاط .. نارا متقدة لا تنطفئ وكان يعمل طول الوقت لا يعرف معنى للراحة وقد أوجد من لا شئ اسقفية متشعبة الاقسام تقوم كلها على مجهوده الذاتى ..
خسارة الكنيسة فيه لا تعوض. نيح الله نفسه الغالية فى فردوس النعيم .
صلاته تكون معنا أمين .