هل خطر ببالك مرة، يا عزيزي القارئ، كم جميلة هي أرضنا إذا تأملنا الجبال العظيمة، والبحيرات العميقة ذات اللون الأزرق الصافي، والشلالات الصاخبة، والأزهار والأشجار المتنوعة، فعندها يطير قلبنا فرحاً!
ويصعب علينا جداً أن نتصوّر أن هذه الأرض الرائعة كانت ذات مرة وفي الزمن البعيد خربة ومقفرة ومظلمة ومغمورة بالمياه، حيث لم توجد أية إمكانية لأي نوع من الحياة حتى الجماد في هذا الخراب.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف أصبحت هذه الأرض رائعة وبمثل هذا الجمال، عامرة بالحياة بعد أن كانت خربة مقفرة
نقرأ في الصفحة الأولى من سفر التكوين: «في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة. وروح الله يرف على وجه المياه». هذا هو السر الذي به أوجد الله هذا العالم من اللاشيء، وأظهر نفسه أنه صانع وخالق كل الأشياء، الذي يستحق حمدنا وسجودنا.
«فإنه فيه خُلق الكل، ما في السموات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى. الكل به وله قد خُلق» (كولوسي 1: 16).
كيف أوجد الله أرضنا هذه
قال الله: «ليكن نور» فكان نور، نتيجة لفعل كلمة الله العظيمة.
إنّ ما يقوله الله يكون!
وأضاء نور الله الخراب السائد على الأرض. ورأى الله أن النور حسن. ثم فصل الله النور عن الظلام، فأصبح النور باهراً. نور الله أشرق على الكون. ودعا الله النور نهاراً، والظلمة ليلاً.
وكان هذا أول يوم من خلق الله لهذا الكون.
وفي اليوم الثاني تابع الله عمل الخلق.
فبعدما فصل النور عن الظلام، فصل الله أيضاً المياه عن بعضها البعض، لأنه حيثما اتجه النظر كانت المياه تغمر كل شيء. فخلق الله السماء كفاصل بين المياه. ووجدت مياه كثيرة تحت السماء وفوقها.
هذه هي سماؤنا التي نراها من الأرض، فمرة تبدو زرقاء صافية ومرة تبدو مغطاة بالغيوم الجميلة البيضاء، ومرة تبدو سوداء منذرة بالرعود والعواصف.
وحلّ مساء. وانتهى اليوم الثاني من الخلق.
وفي اليوم الثالث من الخلق، قام الله أيضاً بعملية فصل. فبينما كانت الأرض لا تزال مغمورة بالمياه، أمر الله المياه أن تتجمع في أماكن معينة. واستجابة لأمر الله، تجمعت المياه في بحار وبحيرات وأنهار مختلفة. وهكذا ظهرت اليابسة وأصبحت مساحات كبيرة من الأرض خالية من المياه.
ودعا الله اليابسة أرضاً ومجتمع المياه دعاه بحاراً. ورأى الله أن ذلك حسن.
وبعد ذلك جعل الله الأرض اليابسة رائعة الجمال، فأنبت أنواعاً مختلفة من العشب والبقول، وكل أنواع الزهور بألوانها الزاهية، وكذلك أشجار الفاكهة التي يلذ لنا مذاق ثمارها. خلق إلهنا العظيم كل أنواع الأشجار في البلاد المختلفة من الأرض.
كم جميلة بدت أرضنا في بهاء ألوانها. وعكس هذا الجمال عظمة وقدرة وبهاء خالقها.
رأى الرب الإله أن كل شيء فعله حسن. وكان هذا اليوم الثالث من الخلق.
وفي اليوم الرابع من الخلق، أصبحت الأرض أكثر جمالاً. لأن الله خلق الشمس العظيمة والقمر الهادئ والنجوم المتلألئة.
وزهت الأزهار بنضارة بقوة أكثر من ذي قبل. وأخذت الأعشاب والبقول والشجيرات والاشجار تنمو بنشاط تحت أشعة الشمس ودفئها. وكلّ صباح أشرقت الشمس في السماء، وأخذت تصعد أكثر فأكثر لتدفئ الأرض. وفي المساء هبطت لتغيب وراء الأفق.
ولم يكن الليل مقفراً، لأن القمر والنجوم التي خلقها الله في السماء أنارته. وكان للشمس والقمر والنجوم مهمة ثابتة معينة من الله. فمن وظائفها، أن تفصل ما بين النهار والليل. لأن الله جعل النور الأكبر، أي الشمس لتحكم النهار بحضورها. والنور الأصغر أي القمر والنجوم العديدة لتزين الليل بأنوارها.
وهناك وظيفة أخرى لهذه الأنوار، هي تحديد الأوقات والسنين والأيام. وفوق كل هذا، كان لها الامتياز بأن تنير العالم.
ورأى الله أن عمله في اليوم الرابع أيضاً حسن.
ثم بدأ يوم الخلق الخامس. هل تعلم ماذا خلق الله في هذا اليوم
لقد خلق الله كل الحيوانات التي تعيش في المياه وفي الهواء. وبأمر كلمة الله، امتلأت المياه فوراً بالأسماك الكبيرة والصغيرة. خلقها الله بأشكالها والوانها الكثيرة المختلفة الأنواع. وأما أكبر الحيوانات المائية فكانت الحيتان وأسماك القرش التي تتخذ البحار موطناً لها.
إلا أن السمك النهري يتواجد في الجداول، وسمك المشط ﴿الشبوط﴾ يتجمع في المستنقعات.
وعيّن الله لكل من الحيوانات مكاناً خاصاً.
وبعد هذا بدأت الرفرفة والزقزقة والزغردة في الهواء، عندما غردت الطيور ترنيمة حمد وشكر لخالقها. وأخذ النحل يطير بدون ملل من زهرة إلى أخرى، يمتص رحيق الأزهار ليحوله إلى عسل لذيذ المذاق.
وطارت الفراشات بألوانها الزاهية الرائعة في الهواء العليل النقي. وفي الأعالي، فوق كل الطيور الأخرى، حلّق النسر بجناحيه الكبيرين.
سرّ الله بخليقته الجديدة التي أحيت أرضه، ورأى أن كل ما خلقه حسن. وبارك الله الحيوانات التي في المياه، والطيور في الجو وقال لها: «اثمري واكثري واملأي الأرض».
وعمّت الحركة والحياة على الأرض، ولكن لم تكن هناك حياة على اليابسة بعد: فقال الله: «سأخلق حيوانات على اليابسة بأنواع مختلفة، الكبيرة منها والصغيرة».
فخلق الله الحيوانات المتوحشة مثل الأسود والفيلة والدببة وغيرها. وكذلك الحيوانات الأليفة الداجنة مثل البقر والخيل والحمير والغنم والقطط والفئران وغيرها.
وخلق أيضاً الزحافات التي تزحف على بطنها مثل الحيات والديدان. وكانت كلها تعيش بسلام مع بعضها البعض على هذه الأرض الجميلة التي خلقها الله. لم يسئ أحد منها إلى الآخر.
ونظر الله إلى عمله ووجد أن كل شيء حسن.
خلق الله الحيوانات في اليوم السادس. ولكنها لم تكن آخر شيء خلقه في ذلك اليوم. إذ أنه ترك أجمل شيء في الخليقة إلى النهاية. وهو الإنسان!
وقال الله: «لنخلق الإنسان، على صورتنا وعلى شبهنا». وتكلم الله هنا بصيغة الجمع (نحن). إلى من يا ترى وجه الله كلامه هنا لقد خاطب المسيح، الذي كان معه منذ البدء. وأراد الله أن يوجد الإنسان الذي يشبهه، ويفكر ويشعر مثله. وهكذا خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، رجلاً وامرأة. ولم يكن الرجل فقط على صورة الله، بل عكست المرأة أيضاً صورة الله.
ودعا الله الرجل الأول على الأرض آدم وامرأته حواء.
وبارك الله آدم وحواء وقال لهما: أثمرا واكثرا حتى تملأ ذريتكما الأرض. وأريد أيضاً أن تسودا على كل شيء خلقته: على الحيوانات التي في المياه، وعلى الطيور التي تحت السماء وعلى كل الحيوانات الموجودة عل سطح الأرض. اهتما بها جيداً.
ومن الحبوب والخضار والفاكهة المتعددة الأنواع المتوفرة والتي تنمو بغنى، بإمكانكما أن تأكلا ما يحلو لكما. لقد خلقت كل شيء لكما للطعام وللتمتع به.
وأما الحيوانات والطيور فأعطيت لها العشب والبقول المتنوعة طعاماً.
كان كل شيء حسب أمر الله. ونظر الله إلى كل ما صنع ورأى أنه حسن جداً.
فقط في ذلك اليوم قال الله أنه حسن «جداً». لأنه في ذلك اليوم خلق الله الإنسان على صورته.
وهكذا انتهى اليوم السادس من الخلق.
وبهذا أكمل الله أعمال الخلق. كانت كل الخليقة مكتملة: الفضاء بنجومه التي لا تُحصى، بما فيها القمر والشمس. الأرض بنباتاتها الكثيرة وحيواناتها العديدة والإنسان.
وبارك الله اليوم السابع وقدسه، وعيّنه يوم راحة.
وهكذا أراح الله الإنسان من العمل في اليوم السابع ليتفرغ لله. هذا اليوم نصرفه في تمجيد الله والسجود له، نكلمه في صلاتنا ونستمد منه قوة جديدة لأعمالنا في الأيام الستة المقبلة. وهذه الراحة تعطينا الطاقة على العمل في أيام الأسبوع في شركة مع الله. الله الذي خلق العالم وخلقنا نحن بهذا الجمال الباهر، وحده يستحق تكريمنا وسجودنا وشكرنا!
منقوووووول